فصل: 2183 - مَسْأَلَةٌ : هَلْ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ أَمْ لاَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2183 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

هَلْ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ أَمْ لاَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ‏,‏ فَأَشَدُّهُمْ قَوْلاً بِهَا وَاسْتِعْمَالاً لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏,‏ ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ ‏,‏ ثُمَّ الشَّافِعِيُّونَ‏.‏ وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الْحُدُودَ لاَ يَحِلُّ أَنْ تُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ ‏,‏ وَلاَ أَنْ تُقَامَ بِشُبْهَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُقَامَ بِشُبْهَةٍ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏}‏ ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ تَعَلَّقَ أَيَصِحُّ أَمْ لاَ

فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ ‏,‏ وَلاَ كَلِمَةٌ ‏,‏ إنَّمَا هِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابٍ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا لاَ خَيْرَ فِيهَا ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ‏:‏ ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏:‏ ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ مَدْفَعًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَعَنْ عَائِشَةَ ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولاَنِ ‏:‏ ادْرَءُوا عَنْ عِبَادِ اللَّهِ الْحُدُودَ فِيمَا شُبِّهَ عَلَيْكُمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهِيَ كُلُّهَا لاَ شَيْءَ ‏:‏ أَمَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَمُرْسَلٌ ‏,‏ وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ كَذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُولَدْ إبْرَاهِيمُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا وَالآخَرُ الَّذِي ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلٌ ‏,‏ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

وَأَمَّا أَحَادِيثُ ابْنِ حَبِيبٍ فَفَضِيحَةٌ ‏,‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ لَكَفَى فَكُلُّهَا مُرْسَلَةٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَحَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ لاَ نَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ أَصْلاً ‏,‏ وَهُوَ ‏"‏ ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ‏"‏ لاَ عَنْ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ عَنْ تَابِعٍ إِلاَّ الرِّوَايَةُ السَّاقِطَةُ الَّتِي أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ سَاقِطٌ وَإِنَّمَا جَاءَ كَمَا تَرَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ ‏"‏ ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ‏"‏ وَهَذَا لَفْظٌ إنْ اُسْتُعْمِلَ أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْحُدُودِ جُمْلَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهَذَا خِلاَفُ إجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَخِلاَفُ الدِّينِ ‏,‏ وَخِلاَفُ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَنِ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ أَحَدٍ هُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى أَنْ يَدْرَأَ كُلَّ حَدٍّ يَأْتِيهِ فَلاَ يُقِيمُهُ فَبَطَلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظُ وَسَقَطَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا

وَأَمَّا اللَّفْظُ الآخَرُ فِي ذِكْرِ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ

قلنا ‏:‏ ‏"‏ ادْرَءُوا ‏"‏ لاَ نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لاَ يَجِبُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فَقَطْ ‏;‏ لأََنَّهُ بَاطِلٌ لاَ أَصْلَ لَهُ ‏,‏ ثُمَّ لاَ سَبِيلَ لأََحَدٍ إلَى اسْتِعْمَالِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا هِيَ تِلْكَ ‏"‏ الشُّبُهَاتِ ‏"‏ فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا ‏"‏ هَذَا شُبْهَةٌ ‏"‏ إِلاَّ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ لَيْسَ بِشُبْهَةٍ ‏,‏ وَلاَ كَانَ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا ‏:‏ لَيْسَ هَذَا شُبْهَةً ‏,‏ إِلاَّ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ بَلْ هُوَ شُبْهَةٌ ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ إنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ مَعْقُولٌ ‏,‏ مَعَ الأَخْتِلاَطِ الَّذِي فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِنْ شَغَبَ مِشْغَبٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكُ ‏,‏ وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ ‏,‏ وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ ‏,‏ مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ ‏,‏ وَبِهِ نَقُولُ ‏,‏ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ تَرْكُ الْمَرْءِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلَمْ يَدْرِ مَا حُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الَّذِي لَهُ تَعَبَّدْنَا بِهِ ‏,‏ وَهَذَا فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مُخَالَفَتُهُ وَهَكَذَا نَقُولُ ‏:‏ إنَّ مَنْ جَهِلَ أَحَرَامٌ هَذَا الشَّيْءُ أَمْ حَلاَلٌ فَالْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ ‏,‏ وَمَنْ جَهِلَ أَفَرْضٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ فَرْضٍ فَحُكْمُهُ أَنْ لاَ يُوجِبَهُ ‏,‏ وَمَنْ جَهِلَ أَوَجَبَ الْحَدُّ أَمْ لَمْ يَجِبْ فَفَرْضُهُ أَنْ لاَ يُقِيمَهُ ‏,‏ لأََنَّ الأَعْرَاضَ وَالدِّمَاءَ حَرَامٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ وُجُوبُ الْحَدِّ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُسْقِطَهُ ‏,‏ لأََنَّهُ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ جَسْرًا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ وَحَيْثُ لاَ تَجِبُ إقَامَتُهَا مِنْهُمْ ‏,‏ ثُمَّ يُسْقِطُونَهَا حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام ‏,‏ وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا كَافِيًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ فَأَوَّلُ ذَلِكَ النَّفْسِ الَّتِي عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا وَحَرَّمَ قَتْلَهَا إِلاَّ بِالْحَقِّ

فأما الْمَالِكِيُّونَ فَقَتَلُوا النَّفْسَ الْمُحَرَّمَةَ بِدَعْوَى مَنْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُشْفِيَ نَفْسَهُ مِنْ عَدُوِّهِ مَعَ أَيْمَانِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَا أَفْسَقَ الْبَرِيَّةِ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يُعْطُونَهُ بِدَعْوَاهُ نَوَاةً مَعْفُونَةً ‏,‏ وَلَوْ حَلَفُوا مَعَ دَعْوَاهُ أَلْفَ يَمِينٍ وَكَانُوا أَصْلَحَ الْبَرِيَّةِ ‏,‏ هَذَا سَفْكُ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لاَ شُبْهَةَ أَبْرَدُ مِنْهَا وَيَقْتُلُونَ بِشَهَادَةِ اللَّوْثِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَالْقَسَامَةِ ‏,‏ وَلاَ يُعْطَوْنَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلْسَيْنِ ‏,‏ وَيَقْتُلُونَ الآبِي عَنْ الصَّلاَةِ إنْ أَقَرَّ بِهَا ‏,‏ وَأَنَّهَا فَرْضٌ ‏,‏ وَيَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ آخَرَ حَتَّى قُتِلَ ‏,‏ وَلاَ يَحُدُّونَ الْمُمْسِكَ امْرَأَةً حَتَّى يُزْنَى بِهَا ‏,‏ وَيَقْتُلُونَ السَّاحِرَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا هِيَ حِيَلٌ ‏,‏ وَكَبِيرَةٌ كَالزِّنَى ‏,‏ وَلاَ يَقْتُلُونَ آكِلَ الرِّبَا ‏,‏ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي السَّاحِرِ ‏,‏ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْتَتِرَ بِالْكُفْرِ ، وَلاَ يَدْرَءُونَ عَنْهُ بِإِعْلاَنِهِ التَّوْبَةَ ‏,‏ وَلاَ يَقْتُلُونَ الْمُعْلِنَ بِالْكُفْرِ إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ غِيلَةً ‏,‏ وَلاَ يُجِيزُونَ فِي ذَلِكَ عَفْوَ الْوَلِيِّ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ ‏,‏ وَيَجْلِدُونَ الْقَاتِلَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ ‏,‏ وَيَنْفُونَهُ سَنَةً

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ خِلاَفًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَعَلَى رَسُولِهِ عليه السلام ‏,‏ وَمُحَافَظَةً لأََهْلِ الْكُفْرِ ‏,‏ وَلاَ يَقْتُلُونَ الْكَافِرَ إذَا سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَةِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ ‏,‏ وَلاَ يَقْتُلُونَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى جِهَارًا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أُمُورٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا وَيَقْتُلُونَ الذِّمِّيَّ الَّذِي قَدْ حَرُمَ دَمُهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ

وَأَمَّا الزِّنَى ‏:‏ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحُدُّونَ بِالْحَبَلِ وَلَعَلَّهُ مِنْ إكْرَاهٍ وَيَرْجُمُونَ الْمُحْصَنَ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا ‏,‏ أَوْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، وَلاَ يَحُدُّونَ وَاطِئَ الْبَهِيمَةِ ، وَلاَ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ عَلَى نَفْسِهَا كَلْبًا وَكُلُّ ذَلِكَ إبَاحَةُ فَرْجٍ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَلاَ يَحُدُّونَ الَّتِي تَزْنِي وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ مُخْتَارَةٌ بِصَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ ‏,‏ وَيَحُدُّونَ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ مِنْ سِنِّ ذَلِكَ الصَّبِيِّ ، وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لاَ يَحُدُّ النَّصْرَانِيَّ ‏,‏ وَلاَ الْيَهُودِيَّ ‏,‏ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ‏,‏ وَيُطْلِقُونَ الْحَرْبِيَّ النَّازِلَ عِنْدَنَا بِتِجَارَةٍ ‏,‏ وَالْمُتَذَمِّمَ يَغْرَمُ الْجِزْيَةَ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُسْلِمَاتِ اللَّوَاتِي سَبَاهُنَّ قَبْلَ نُزُولِهِ ‏,‏ وَتَذَمُّمِهِ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْقُرَشِيَّاتِ وَالأَنْصَارِيَّات ‏,‏ وَغَيْرِهِنَّ ‏,‏ وَعَلَى وَطْئِهِنَّ ‏,‏ وَبَيْعِهِنَّ صُرَاحًا مُبَاحًا وَهَذِهِ قَوْلَةٌ مَا سُمِعَ بِأَفْحَشَ مِنْهَا

2184 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَمَّا السَّرِقَةُ ‏:‏ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقْطَعُونَ فِيهَا الرِّجْلَيْنِ بِلاَ نَصٍّ ثَابِتٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَيَقْطَعُونَ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَ إنْسَانٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ إنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَرْسَلَنِي فِي هَذِهِ الْحَاجَةِ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ‏,‏ وَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا ‏,‏ أَوْ يَقْطَعُونَ يَدَهُ مُطَارَفَةً ‏,‏ وَيَقْطَعُونَ جَمَاعَةً سَرَقَتْ رُبْعَ دِينَارٍ فَقَطْ ‏,‏ وَرَأَوْا فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ إذَا غُلِطَ بِالسَّارِقِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ أَنَّهُ تُقْطَعُ الْيَدُ الْأُخْرَى فَقَطَعُوا يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ وَمَا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ يُمْنَى مِنْ يُسْرَى ‏,‏ وَالْحَنَفِيُّونَ يَقْطَعُونَ فِيهَا الرِّجْلَ بَعْدَ الْيَدِ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ

وَأَمَّا الْقَذْفُ ‏:‏ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحُدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ ‏,‏ فِي التَّعْرِيضِ ‏,‏ وَيُسْقِطُونَ جَمِيعَ الْحُدُودِ بِالْقَتْلِ حَاشَا حَدَّ الْقَذْفِ ‏,‏ فَإِنْ كَانُوا يُسْقِطُونَ سَائِرَ الْحُدُودِ بِالشُّبْهَةِ ‏,‏ فَمَا بَالُهُمْ لاَ يُسْقِطُونَ حَدَّ الْقَذْفِ أَيْضًا بِالشُّبْهَةِ وَقَالُوا ‏:‏ إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَقْذُوفِ ‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي قَذَفَك صَادِقًا لَحُدَّ لَك ‏,‏ فَفِي أَيِّ دِينٍ وَجَدُوهَا مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ وَيَحُدُّونَ شَارِبَ الْخَمْرِ ‏,‏ وَلَوْ جَرْعَةً مِنْهُ خَوْفَ أَنْ يَقْذِفَ أَحَدًا بِالزِّنَى ‏,‏ وَهُوَ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا بَعْدُ ‏,‏ فَأَيُّ عَجَبٍ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ بِلاَ شُبْهَةٍ ‏,‏ وَيَتَعَلَّقُونَ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ‏,‏ قَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مِثْلِهَا وَيَحُدُّونَ مَنْ قَالَ لأَخَرَ ‏:‏ لَسْت ابْنَ فُلاَنٍ إذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَيَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِإِنْسَانٍ سَمَّاهُ ‏,‏ وَإِنْ لاَعَنَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَرَّدٌ وَيَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا لاَ يَحِلُّ مِثْلُهُ ‏,‏ وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ هَذَا وَهُمْ يَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ ‏,‏ وَهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّهُمْ لاَ يَحْلِفُونَ ‏,‏ وَلاَ يَقْطَعُونَ أَنَّهُ مَنْ زَنَى ‏,‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْحَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لأَخَرَ ‏:‏ زَنَتْ عَيْنُك ‏,‏ أَوْ زَنَتْ يَدُك وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّ الْيَدَيْنِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ ‏,‏ وَالْعَيْنَيْنِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ ‏,‏ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ

وَأَمَّا الْخَمْرُ ‏:‏ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُقِيمُونَ الْحَدَّ فِيهِ بِالنَّكْهَةِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ يَدْرِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْكُمَّثْرَى الشَّتْوِيَّ ‏,‏ وَبَعْضَ أَنْوَاعِ التُّفَّاحِ ‏:‏ أَنَّ نَكْهَةَ فَمِهِ ‏,‏ وَنَكْهَةَ شَارِبِ الْخَمْرِ ‏:‏ سَوَاءٌ

وَأَيْضًا فَلَعَلَّهُ مَلاََ فَمَهُ مِنْهَا وَلَمْ يَجْرَعْهَا فَبَقِيَتْ النَّكْهَةُ ‏,‏ أَوْ لَعَلَّهُ دُلِّسَ عَلَيْهِ بِهَا وَهُوَ لاَ يَدْرِي ‏,‏ ثُمَّ يَجْلِدُونَ هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ فِي الْخَمْرِ ‏:‏ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ‏,‏ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ فِيهَا أَرْبَعُونَ ‏,‏ فَلَمْ يَدْرَءُوا الأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةَ بِالشُّبْهَةِ ‏,‏ وَلَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ وَيَحُدُّونَ ثَمَانِينَ كَمَا

قلنا بِفِرْيَةٍ لَمْ يَفْتَرِهَا بَعْدُ ‏,‏ فَيُقَدِّمُونَ لَهُ الْحُدُودَ ‏,‏ وَلَعَلَّهُ لاَ يَقْذِفُ أَحَدًا أَبَدًا ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ حَدَّ زِنًى لَمْ يَكُنْ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ حَدَّ سَرِقَةٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَيَحُدُّونَ هُمْ وَالشَّافِعِيُّونَ ‏:‏ الْفَاضِلَ الْعَالِمَ الْمُتَأَوِّلَ إحْلاَلَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ ‏,‏ وَيَقْبَلُونَ مَعَ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ ‏,‏ وَيَأْخُذُونَ الْعِلْمَ عَنْهُ ، وَلاَ يَحُدُّونَ الْمُتَأَوِّلَ فِي الشِّغَارِ ‏,‏ وَالْمُتْعَةِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ، وَلاَ فِي الْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا - كَالْخَمْرَةِ

2185 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ فَاعْتِرَافُهُ بِمَا يَجِبُ إبْطَالُ بَعْضِ مَالِ سَيِّدِهِ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَأْتِ مَا يَدْفَعُهُ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ‏}‏ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ ‏,‏ وَأَقْرِبَائِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولَةٌ دُونَ آخَرَ مَعَهُ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا ‏,‏ أَوْ عَدْلاً مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ، وَأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ لاَ تُقْبَلُ إِلاَّ بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ ‏,‏ وَبِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ أَوْ يَمِينُ الطَّالِبِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ حُرٍّ ‏,‏ فَلَمَّا وَرَدَ هَذَانِ النَّصَّانِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏:‏ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ ‏:‏ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ ‏,‏ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ ‏:‏ فَلاَ يُقْبَلُ ‏,‏ وَوَجَدْنَا مَنْ خَالَفَهُمْ بِقَوْلٍ ‏:‏ بَلْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ ‏,‏ كَاسِبٌ عَلَيْهَا ‏,‏ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى نَقْصٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَقْصِدْ الشَّهَادَةَ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ

فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ الأَسْتِعْمَالَيْنِ إذْ لاَ بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا فَوَجَدْنَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ إنَّمَا يَصِحُّ بِوَاسِطَةٍ ‏,‏ وَبِإِنْتَاجٍ ‏,‏ لاَ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَوَجَدْنَا قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ يَصِحُّ بِنَفْسِ الْقِصَّةِ ‏,‏ لأََنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِ لَفْظِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَقْصِدِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى السَّيِّدِ بِتَأْوِيلٍ لاَ بِظَاهِرِ إقْرَارِهِ فَكَانَ هَذَا أَصَحَّ الأَسْتِعْمَالَيْنِ ‏,‏ وَأَوْلاَهُمَا وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ أَصْحَابُنَا لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُحَدَّ الْعَبْدُ فِي زِنًى ‏,‏ وَلاَ فِي سَرِقَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي خَمْرٍ ‏,‏ وَلاَ فِي قَذْفٍ ‏,‏ وَلاَ فِي حِرَابَةٍ وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ فِي قَوَدٍ ‏,‏ لأََنَّهُ فِي ذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ ‏,‏ وَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ إتْلاَفٌ لِمَالِ سَيِّدِهِ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ ‏,‏ لاَ هُمْ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ

2186 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَبْدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِسَارِقٍ فَقَالَ ‏:‏ اقْطَعُوا يَدَهُ فَقَالَ ‏:‏ أَقِلْنِيهَا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاَللَّهِ مَا سَرَقْت قَبْلَهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ كَذَبْت ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا غَافَصَ اللَّهُ مُؤْمِنًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَعْمَلُهُ وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِسَارِقٍ فَقَالَ ‏:‏ وَاَللَّهِ مَا سَرَقْت قَبْلَهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ كَذَبْت وَرَبِّ عُمَرَ ‏,‏ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَبْدًا عِنْدَ أَوَّلِ ذَنْبٍ وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمْعَانَ بِهَذَا ‏,‏ وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَهُ ‏:‏ اللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ فِي أَوَّلِ ذَنْبٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَقُطِعَ ‏,‏ فَلَمَّا قُطِعَ قَامَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ أَنْشُدُك اللَّهَ ‏,‏ كَمْ سَرَقْت مِنْ مَرَّةٍ قَالَ لَهُ ‏:‏ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَرَّةً غَافَصَهُ ‏:‏ فَاجَأَهُ وَأَخَذَهُ عَلَى غِرَّةٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ‏,‏ وَكُلُّ أَحْكَامِهِ عَدْلٌ وَحَقٌّ ‏,‏ فَقَدْ يَسْتُرُ اللَّهُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ ‏,‏ عَلَى مَنْ يَشَاءُ إمَّا إمْلاَءً

وَأَمَّا تَفَضُّلاً لِيَتُوبَ ‏,‏ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ الْوَاحِدِ ‏,‏ وَبِالذُّنُوبِ عُقُوبَةً أَوْ كَفَّارَةً لَهُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَالْإِسْنَادَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏:‏ ضَعِيفَانِ ‏,‏ أَحَدُهُمَا مُرْسَلٌ ‏,‏ وَالآخَرُ مُرْسَلٌ سَاقِطٌ ‏,‏ وَالْإِسْنَادُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحٌ وَلِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ‏.‏

2187 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَجَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى وَجَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي السَّرِقَةِ

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَلاَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ ‏,‏ وَفِي السَّرِقَةِ ‏,‏ إِلاَّ الْمُعَاهَدَ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ لَكِنْ يَضْمَنُهَا ‏,‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُهُ ‏:‏ لاَ أَمْنَعُ الذِّمِّيَّ مِنْ الزِّنَى ‏,‏ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَمْنَعُهُ مِنْ الْغِنَاءِ

وقال مالك ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي زِنًى ‏,‏ وَلاَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ ‏,‏ وَالسَّرِقَةِ

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَابُوسُ بْنُ الْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمَيْنِ تَزَنْدَقَا ‏,‏ وَعَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ ‏,‏ وَعَنْ مُكَاتَبٍ مَاتَ وَتَرَكَ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ ‏,‏ وَتَرَكَ وُلْدًا أَحْرَارًا فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا اللَّذَانِ تَزَنْدَقَا فَإِنْ تَابَا وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا

وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي زَنَى بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَارْفَعْ النَّصْرَانِيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا

وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَأَعْطِ مَوَالِيهِ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ ‏,‏ وَأَعْطِ وُلْدَهُ الأَحْرَارَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لاَ يَرَى عَلَى عَبْدٍ ، وَلاَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حَدًّا وَعَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَهُودِيِّ ‏,‏ وَالنَّصْرَانِيِّ ‏:‏ لاَ أَرَى عَلَيْهِمَا فِي الزِّنَى حَدًّا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ كَانَ مِنْ الْوَفَاءِ لَهُمْ بِالذِّمَّةِ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ دِينِهِمْ وَشَرَائِعِهِمْ ‏,‏ تَكُونُ ذُنُوبُهُمْ عَلَيْهِمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ‏}‏ وَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَدْ عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى التَّرْكِ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ ‏,‏ وَكَانَ كُفْرُهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَرِيطَةٍ مِنْ أَحْكَامِهِمْ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِخِلاَفِ مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَا تُعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا فَلَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّ الآيَةَ الْمَذْكُورَةَ عَامَّةٌ لاَ خَاصَّةٌ ‏,‏ وَهُمْ قَدْ خَصُّوا فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ وَفِي الْقَذْفِ لِمُسْلِمٍ ‏,‏ وَفِي الْحِرَابَةِ ‏,‏ وَأَسْقَطُوا الْحَدَّ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَفِي الْخَمْرِ فَقَطْ ‏,‏ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ لاَ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ السَّرِقَةُ ظُلْمٌ ‏,‏ وَلاَ يَقَرُّونَ عَلَى ظُلْمِ مُسْلِمٍ ‏,‏ وَلاَ عَلَى ظُلْمِ ذِمِّيٍّ ‏,‏ وَالْقَذْفُ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ

قلنا لَهُمْ ‏:‏

وَكَذَلِكَ الزِّنَى إذَا زَنَوْا بِامْرَأَةِ مُسْلِمٍ ‏,‏ أَوْ بِأَمَتِهِ ‏,‏ أَوْ بِامْرَأَةِ ذِمِّيٍّ أَوْ أَمَتِهِ ‏,‏ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِلْمُسْلِمِ ‏,‏ أَوْ سَيِّدِهَا ‏,‏ وَظُلْمٌ لِلذِّمِّيِّ كَذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ يَقَرُّونَ عَلَى ظُلْمٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَصَّصْتُمْ الآيَةَ بِلاَ دَلِيلٍ وَتَرَكْتُمْ ظَاهِرَهَا بِلاَ حُجَّةٍ فَإِنْ شَغَبُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي ذَلِكَ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ ‏,‏ لأََنَّهَا عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ ثُمَّ عَنْ قَابُوسِ بْنِ الْمُخَارِقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَبْعَدُ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ‏,‏ لأََنَّ فِيهَا ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى عَبْدٍ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ هَذَا ‏,‏ وَلاَ حَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَهُمْ يَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فِي الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ قَدْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ بَطَلَ التَّعَلُّقُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ‏,‏ وَوَجَبَ رَدُّهُمَا إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَلأََيِّ الْقَوْلَيْنِ شَهِدَ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ الْحَقُّ ‏,‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ بَطَلَ كُلُّ قَوْلٍ شَغَبَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ ‏,‏ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً أَمَّا الآيَةُ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَمَا كَانَ لِمَنْ أَسْقَطَ بِهَا إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ ‏,‏ لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهَا التَّخْيِيرَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ ‏,‏ لاَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً ‏,‏ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ حُكْمٌ عَلَيْهِمْ لاَ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ ‏,‏ فَلَيْسَ لِلْحُدُودِ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَدْخَلٌ أَصْلاً ‏,‏ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً

وَأَمَّا عُهُودُ مَنْ عَاهَدَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِأَحْكَامِهِمْ ‏,‏ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ بَلْ هُوَ عَهْدُ إبْلِيسَ وَعَهْدُ الْبَاطِلِ ‏,‏ وَعَهْدُ الضَّلاَلِ ‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ عُقُودًا ، وَلاَ عُهُودًا إِلاَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ فَهِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا ‏,‏ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ

وَقَالَ عليه السلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ

وَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ مَا نُكْرِهُهُمْ عَلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الصَّلاَةِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الزَّكَاةِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الصِّيَامِ ‏,‏ وَلاَ الْحَجِّ ‏,‏ لَكِنْ مَتَى كَانَ لَهُمْ حُكْمٌ حَكَمْنَا فِيهِ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏}‏ فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام أَنْ لاَ تَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ ‏,‏ فَمَنْ تَرَكَهُمْ وَأَحْكَامَهُمْ ‏:‏ فَقَدْ اتَّبَعَ أَهْوَاءَهُمْ ‏,‏ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ

2188 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

حَدُّ الْمَمَالِيكِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ الْحُدُودُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ لاَ خَامِسَ لَهَا ‏:‏ إمَّا إمَاتَةٌ بِصَلْبٍ ‏,‏ أَوْ بِقَتْلٍ بِسَيْفٍ ‏,‏ أَوْ بِرَجْمٍ بِالْحِجَارَةِ ‏,‏ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا وَأَمَّا نَفْيٌ وَأَمَّا قَطْعٌ وَأَمَّا جَلْدٌ وَجَاءَ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الأَمَةِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمْلُوكَةِ الْأُنْثَى فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْجَلْدِ وَهُوَ الزِّنَى مَعَ الْإِحْصَانِ خَاصَّةً ‏:‏ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ فِي ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ مَعَ النَّصِّ ‏:‏ أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ فِي الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ كَحَدِّ الأَحْرَارِ وَجَاءَ النَّصُّ أَيْضًا فِي النَّفْيِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ سِوَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْإِمَاءِ ‏,‏ وَالْعَبِيدِ فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَلاَ نُحَاشَ شَيْئًا كَحَدِّ الأَحْرَارِ سَوَاءً سَوَاءً ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ حَدُّ الْعَبِيدِ ‏,‏ وَالْإِمَاءِ فِي الْجَلْدِ كُلِّهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ وَحَدُّ الْعَبِيدِ ‏,‏ وَالْإِمَاءِ فِي الْقَطْعِ كَحَدِّ الأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ فَاخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ ‏:‏ فَطَائِفَةٌ تَقُولُ بِهِ فِي الأَحْرَارِ ‏,‏ وَلاَ تَقُولُ بِهِ فِي الْعَبِيدِ ‏,‏ وَالنِّسَاءِ ‏,‏ وَالْإِمَاءِ ‏,‏ وَالْحَرَائِرِ فَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ جُمْلَةً اخْتَلَفُوا ‏:‏ فَطَائِفَةٌ جَعَلَتْ حَدَّ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ فِيهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ جَعَلَتْ فِيهِ حَدَّ الْإِمَاءِ خَاصَّةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحَرَائِرِ ‏,‏ وَجَعَلَتْ فِيهِ حَدَّ الْعَبِيدِ كَحَدِّ الأَحْرَارِ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا أَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي لاَ تَقُولُ بِالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ ‏,‏ فَهُمْ ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَتْ بِهِ فِي الأَحْرَارِ خَاصَّةً ‏,‏ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فِي الْعَبِيدِ ‏,‏ وَلاَ فِي الْإِمَاءِ ‏,‏ وَلاَ فِي الْحَرَائِرِ ‏,‏ فَهُمْ ‏:‏ مَالِكٌ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ حَدُّ الْعَبِيدِ ‏,‏ وَالْإِمَاءِ فِي جَلْدِ الزِّنَى عَلَى نِصْفِ حَدِّ الأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ ‏,‏ وَحَدُّ الْعَبِيدِ ‏,‏ وَالْإِمَاءِ فِي الْقَذْفِ كَحَدِّ الْحُرِّ ‏,‏ وَالْحُرَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَغَيْرِهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ إنَّهُ حَدُّ الْمَمَالِيكِ ذُكُورِهِمْ ‏,‏ وَإِنَاثِهِمْ فِي الْجَلْدِ ‏,‏ وَالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ ‏,‏ وَالْقَطْعِ ‏:‏ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ

وَأَمَّا مَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ مِنْ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ‏,‏ أَوْ الصَّلْبِ ‏,‏ أَوْ النَّفْيِ الَّذِي لاَ وَقْتَ لَهُ ‏:‏ فَالْمَمَالِيكُ ‏,‏ وَالأَحْرَارُ فِيهِ سَوَاءٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فأما أَقْوَالُ مَنْ ذَكَرْنَا فَالتَّنَاقُضُ فِيهَا ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلاً ‏,‏ وَسَنَذْكُرُ أَقْوَالَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ ‏:‏ إنَّ الْقَطْعَ لاَ يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ ‏,‏ فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِ الآثَارِ ‏,‏ وَمِنْ قِبَلِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ

فأما مِنْ قِبَلِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ ‏:‏ فَإِنَّ الْيَدَ مَعْرُوفَةُ الْمِقْدَارِ ‏,‏ فَقَطْعُ نِصْفِهَا مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ بِالْعِيَانِ وَهُوَ قَطْعُ الأَنَامِلِ فَقَطْ وَيَبْقَى الْكَفُّ وَقَدْ وَجَدْنَاهُمْ يُوقِعُونَ عَلَى الأَنَامِلِ خَاصَّةً حُكْمَ الْيَدِ ‏,‏ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قُطِعَتْ أَنَامِلُهُ كُلُّهَا أَنَّ لَهُ دِيَةَ يَدٍ ‏,‏ فَمَنْ قَطَعَ الأَنَامِلَ خَاصَّةً فَقَدْ وَافَقَ النَّصَّ ‏,‏ لأََنَّهُ قَطَعَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدٍ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَطَعَ نِصْفَ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْحُرِّ ‏;‏ كَمَا جَاءَ النَّصُّ أَيْضًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ

وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ أَيْضًا لَهَا مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ ‏,‏ فَقَطْعُ نِصْفِهَا مُمْكِنٌ وَهُوَ قَطْعُهَا مِنْ وَسَطِهَا مَعَ السَّاقِ فَقَطْ

وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الآثَارِ ‏:‏ فَ

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقْطَعُ الْيَدَ مِنْ الأَصَابِعِ وَالرِّجْلَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقْطَعُ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمِفْصَلِ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْطَعُ الْقَدَمَ مِنْ مِفْصَلِهَا ‏,‏ وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْطَعُ الْقَدَمَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ أَشَارَ لِي عَمْرٌو إلَى شَطْرِهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ قَدْ جَاءَ النَّصُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَطْعُ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ ‏,‏ وَقَطْعُهَا مِنْ الأَصَابِعِ ‏:‏ فَالْوَاجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ التَّنَاقُضِ الَّذِي لاَ وَجْهَ لَهُ ‏,‏ لَكِنْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ‏,‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَدَمِ أَيْضًا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ فِي الزِّنَى نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ الْمُحْصَنَةِ ‏,‏ وَصَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ‏,‏ وَالصَّلْبِ ‏:‏ كَحَدِّ الْحُرِّ

وَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ ‏,‏ فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ الَّتِي يَنْتَمُونَ إلَيْهَا فِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ مَرْدُودًا إلَى أَشْبَهِ الْجِنْسَيْنِ بِهِ فَهَذِهِ عُمْدَتُهُمْ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا فِي الْقِيَاسِ ‏,‏ فَإِذَا فَعَلُوا هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مَقِيسًا عَلَى الْجَلْدِ ‏,‏ لاَ عَلَى الْقَتْلِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ لاَ يَتَنَصَّفُ ‏,‏ وَكَذَلِكَ النَّفْيُ غَيْرُ الْمُؤَقَّتِ

وَأَمَّا الْجَلْدُ فَيَتَنَصَّفُ وَالْقَطْعُ يَتَنَصَّفُ فَكَانَ قِيَاسُ مَا يَتَنَصَّفُ عَلَى مَا يَتَنَصَّفُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ مَا يَتَنَصَّفُ عَلَى مَا لاَ يَتَنَصَّفُ هَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ يَوْمًا مَا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمَاءِ ‏{‏فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ‏}‏ فَكَانَ هَذَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الْإِمَاءَ فَقَطْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَأَبْقَى الْعَبِيدَ فَلَمْ يَخُصَّ كَمَا خَصَّ الْإِمَاءَ ‏"‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخُصَّ الْعَبِيدَ مَعَ الْإِمَاءِ فَيَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ الْإِمَاءِ وَيُمْسِكَ عَنْ ذِكْرِ الْعَبِيدِ وَيُكَلِّفَنَا مِنْ ذَلِكَ عِلْمَ الْغَيْبِ وَمَعْرِفَةَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا لَمْ يُعَرِّفْنَا بِهِ ‏,‏ حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا

وَكَذَلِكَ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى هَاهُنَا أَمَةً مِنْ حُرَّةٍ ‏,‏ وَلاَ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لاَ تُجْلَدَ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ‏,‏ وَيَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ يَأْمُرُنَا بِجَلْدِ مَنْ قَذَفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ‏,‏ وَلاَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَنَا ‏,‏ أَفِي حُرٍّ دُونَ عَبْدٍ وَفِي حُرَّةٍ دُونَ أَمَةٍ وَهَذَا خِلاَفُ قوله تعالى مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ

وَقَوْله تَعَالَى ‏{‏تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏}‏ فَكَانَ حَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَحَدُّ الزِّنَى مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا وَحَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ ‏,‏ وَفِي الزِّنَى مِائَةً ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآخَرِ فَوَاضِحٌ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ حَمْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فِي عَبْدٍ ‏,‏ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ أَوْ حُرٍّ ‏,‏ أَوْ حُرَّةٍ ‏:‏ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ ‏,‏ وَسِوَى مَا خَالَفَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ فَقُلْتُمْ ‏:‏ إنَّ الْحُرَّ ‏,‏ وَالْعَبْدَ ‏,‏ وَالأَمَةَ سَوَاءٌ ‏,‏ فَأَيْنَ زَهَقَ عَنْكُمْ قِيَاسُكُمْ الَّذِي خَالَفْتُمْ بِهِ الْقُرْآنَ فِي حَدِّ الْعَبْدِ الْقَاذِفِ ‏,‏ وَالأَمَةِ الْقَاذِفَةِ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَسْتَسْهِلُوا مُخَالَفَةَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ قِيَاسًا عَلَى قوله تعالى ‏{‏فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ‏}‏ وَعَظُمَ عِنْدَكُمْ أَنْ تُخَالِفُوا قَوْلَهُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ جِدًّا قَالَ أَصْحَابُنَا ‏:‏ وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا‏}‏ فَكَانَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلاَفِ حُكْمِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُهُ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُنَا إيَّاهُ ‏,‏ وَلاَ يُرِيدُهُ مِنَّا قَالُوا ‏:‏ وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ وَجَلَدَ فِي الْخَمْرِ حَدًّا مُؤَقَّتًا وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام بِذَلِكَ الْحُكْمِ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ ‏,‏ وَلاَ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَهُوَ الْمُبَيَّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَهُوَ حَقٌّ صَحِيحٌ إنْ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ تُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ

وَأَمَّا إنْ جَاءَتْ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ تُوجِبُ مَا قُلْنَاهُ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنِ لَنَا مُرَادَ رَبِّنَا تَعَالَى ‏,‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَوَجَدْنَا مَا ثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ قَتَادَةُ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا إسْنَادٌ عَجِيبٌ ‏,‏ كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى نُورًا ‏,‏ مَا نَدْرِي أَحَدًا غَمَزَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى أَنَّ وُهَيْبًا أَرْسَلَهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَكَانَ مَاذَا إذَا أَرْسَلَهُ وُهَيْبٌ قَدْ أَسْنَدَ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَفِي دِيَتِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ‏,‏ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ ‏,‏ وَأَسْنَدَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا ‏:‏ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ ‏,‏ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ فَعَلَى قَوْلِهِمْ مَا زَادَهُ إرْسَالُ وُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ إِلاَّ قُوَّةً ‏,‏ فَإِذْ قَدْ صَحَّ ‏,‏ وَثَبَتَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حُدُودَ الْمَمَالِيكِ جُمْلَةً عُمُومًا لِذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ‏:‏ مُخَالِفَةٌ لِحُكْمِ حُدُودِ الأَحْرَارِ عُمُومًا لِذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ‏,‏ وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ قَوْلَ لأََحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ إلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُدُودِ الأَحْرَارِ ‏,‏ فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا الْقَوْلَ بِهِ ‏,‏ وَبِهَذَا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

2189 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

هَلْ يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحُدُودَ عَلَى مَمَالِيكِهِ أَمْ لاَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقِيمُ السَّيِّدُ جَمِيعَ الْحُدُودِ مِنْ الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ عَلَى مَمَالِيكِهِ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يَحُدُّ السَّيِّدُ مَمَالِيكَهُ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالْقَذْفِ ‏,‏ وَلاَ يَحُدُّهُ فِي قَطْعٍ قَالُوا ‏:‏ وَإِنَّمَا يَحُدُّهُ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشُّهُودُ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يَحُدُّ السَّيِّدُ مَمْلُوكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْحُدُودُ إلَى السُّلْطَانِ فَقَطْ فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ يَدَ غُلاَمٍ لَهُ سَرَقَ ‏,‏ وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ إنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ ‏,‏ فَأَخْبَرَتْ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَقَتَلَهَا ‏,‏ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةٌ سَحَرَتْ فَاعْتَرَفَتْ فَسَكَتَ عُثْمَانُ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ‏:‏ أَبَقَ غُلاَمٌ لأَبْنِ عُمَرَ فَمَرَّ عَلَى غِلْمَةٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَرَقَ مِنْهُمْ جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ ‏,‏ وَرَكِبَ حِمَارًا لَهُمْ فَأُتِيَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ فَبَعَثَ بِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ ‏:‏ لاَ يُقْطَعُ غُلاَمٌ أَبَقَ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ ‏:‏ إنَّمَا غِلْمَتِي غِلْمَتُك ‏,‏ وَإِنَّمَا جَاعَ ‏,‏ وَرَكِبَ الْحِمَارَ لِيَبْلُغَ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلاَ تَقْطَعْهُ قَالَ ‏:‏ فَقَطَعَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ قَالَ ‏:‏ لأَبْنِ مَسْعُودٍ أَمَتِي زَنَتْ قَالَ ‏:‏ اجْلِدْهَا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إنَّهَا لَمْ تُحْصَنْ قَالَ ‏:‏ إحْصَانُهَا إسْلاَمُهَا قَالَ شُعْبَةُ ‏:‏ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهَذَا ‏,‏ وَفِيهِ ‏:‏ جَلَدَهَا خَمْسِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الرَّجُلَ يَجْلِدُ مَمْلُوكَتَهُ الْحُدُودَ فِي بَيْتِهِ ‏,‏ وَأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ أَمَتِي زَنَتْ قَالَ ‏:‏ اجْلِدْهَا خَمْسِينَ ‏,‏ قَالَ إنَّهَا لَمْ تُحْصَنْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏:‏ إحْصَانُهَا إسْلاَمُهَا وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ ‏:‏ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَتْ تَجْلِدُ وَلِيدَتَهَا خَمْسِينَ إذَا زَنَتْ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَجْلِدُ وَلاَئِدَهُ خَمْسِينَ إذَا زَنَيْنَ

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَخْبَرَهُ ‏:‏ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا الْحَدَّ زَنَتْ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ كَانَ عَلْقَمَةُ ‏,‏ وَالأَسْوَدُ يُقِيمَانِ الْحَدَّ عَلَى جِوَارِي قَوْمِهِمَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ ذَكَرْنَا ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ ‏:‏ جَوَازُ عَفْوِ السَّيِّدِ عَنْ مَمَالِيكِهِ فِي الْحُدُودِ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ مِسْكِينٍ أَخْبَرَنِي عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَاءَ بِجَارِيَةٍ لَهُ زَنَتْ إلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ إذْ جَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَجَلَسَ فَقَالَ ‏:‏ يَا صَالِحُ مَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ مَعَك قُلْت ‏:‏ جَارِيَتُنَا بَغَتْ فَأَرَدْت أَنْ أَرْفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ لِيُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ قَالَ ‏:‏ لاَ تَفْعَلْ ‏,‏ رُدَّ جَارِيَتَك ‏,‏ وَاتَّقِ اللَّهَ وَاسْتُرْ عَلَيْهَا قُلْت ‏:‏ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتَّى أَرْفَعَهَا ‏,‏ قَالَ لَهُ أَنَسٌ ‏:‏ لاَ تَفْعَلْ وَأَطِعْنِي ‏,‏ قَالَ صَالِحٌ ‏:‏ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى قُلْت لَهُ ‏:‏ أَرُدُّهَا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ ذَنْبٍ فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ فَقَالَ أَنَسٌ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَرَدَدْتهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الأَمَةِ تَزْنِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تُجْلَدُ خَمْسِينَ ‏,‏ فَإِنْ عَفَا عَنْهَا سَيِّدُهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا ‏,‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ وَبِهِ نَأْخُذُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَانِ أَثَرَانِ سَاقِطَانِ ‏,‏ لأََنَّهُمَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَاتِ الزَّوْجِ وَغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ فِي الأَمَةِ إذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِذَاتِ زَوْجٍ فَظَهَرَ مِنْهَا فَاحِشَةٌ جُلِدَتْ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ يَجْلِدُهَا سَيِّدُهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأَزْوَاجِ رُفِعَ أَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ وَعَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إحْصَانُ الْمَمْلُوكَةِ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ ‏,‏ فَيُذْكَرَ مِنْهَا فَاحِشَةٌ فَلاَ يُصَدَّقُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا ‏,‏ وَالزَّوْجُ يَذُبُّ عَنْ وَلَدِهِ ‏,‏ وَعَنْ رَحِمِهَا ‏,‏ وَعَنْ مَا بِيَدِهِ ‏,‏ فَلَيْسَ يُقِيمُ الْفَاحِشَةَ عَلَيْهَا إِلاَّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ‏,‏ وَلاَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إذَا ثَبَتَ إِلاَّ السُّلْطَانُ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ‏}

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَلْدِ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالْقَذْفِ ‏,‏ وَبَيْنَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏:‏ وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابَهُ ‏,‏ يَحْتَجُّونَ بِمَا ‏:‏ ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ هُوَ عَالِمٌ فَخُذُوا عَنْهُ ‏,‏ فَسَمِعْته يَقُولُ ‏:‏ الزَّكَاةُ ‏,‏ وَالْحُدُودُ ‏,‏ وَالْفَيْءُ ‏,‏ وَالْجُمُعَةُ ‏,‏ إلَى السُّلْطَانِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏:‏ أَنَّهُ ضَمِنَ هَؤُلاَءِ أَرْبَعًا ‏:‏ الْجُمُعَةُ ‏,‏ وَالصَّدَقَةُ ‏,‏ وَالْحُدُودُ ‏,‏ وَالْحُكْمُ وَعَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ الْحُدُودُ ‏,‏ وَالْفَيْءُ ‏,‏ وَالزَّكَاةُ ‏,‏ وَالْجُمُعَةُ ‏,‏ إلَى السُّلْطَانِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوا ‏:‏ أَنْ لاَ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيكِ سَادَاتُهُمْ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ الْحُدُودِ عُمُومًا إلَى السُّلْطَانِ ‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ ‏,‏ لَكِنْ يَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ حُدُودَ الْمَمَالِيكِ إلَى سَادَاتِهِمْ بِدَلِيلٍ إنْ وُجِدَ ثُمَّ أَيْضًا لَوْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏,‏ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْجَلْدِ ‏,‏ وَالْقَطْعِ ‏,‏ وَالْقَتْلِ ‏,‏ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُمْ أَيْضًا حُجَّةً أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ نَدْرِي لَهُمْ فِي هَذَا التَّفْرِيقِ سَلَفًا مِنْ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ تَابِعٍ ‏,‏ وَلاَ مُتَعَلِّقًا مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ إنَّ السَّيِّدَ لَهُ جَلْدُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ أَدَبًا ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ أَيْدِيهِمْ أَدَبًا ‏,‏ فَلَمَّا كَانَ الْحَدُّ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالْقَذْفِ جَلْدًا كَانَ ذَلِكَ لِلسَّادَاتِ ‏,‏ لأََنَّهُ حَدٌّ ‏,‏ وَجَلْدٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَجَلْدُ الأَدَبِ هُوَ غَيْرُ جَلْدِ الْحَدِّ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ رَبِيعَةَ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً لاَ تُؤَيِّدُهُ حُجَّةٌ ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهَا فَحُجَّةٌ زَائِفَةٌ جِدًّا ‏,‏ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ اعْتِرَاضًا ‏,‏ وَلاَ ذَبًّا فِيمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهَا

وَأَمَّا مَنْ رَأَى السَّيِّدَ يُقِيمُ جَمِيعَ الْحُدُودِ عَلَى مَمَالِيكِهِ ‏,‏

فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَا ‏:‏ مَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ‏,‏ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ‏,‏ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ‏,‏ ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا لَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ وَعَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا ‏:‏ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ أَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ ‏:‏ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ‏,‏ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ‏,‏ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ‏,‏ ثُمَّ بِيعُوهَا ‏,‏ وَلَوْ بِضَفِيرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ‏:‏ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ‏:‏ لاَ أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ ‏,‏ أَوْ الرَّابِعَةِ وَالأَخْبَارُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ جِدًّا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ ثُمَّ نَتَكَلَّمُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بَيْعِ الأَمَةِ الَّتِي تَزْنِي ‏,‏ فَنَقُولُ ‏:‏ إنَّ اللَّيْثَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ

وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهَكَذَا أَيْضًا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ فَلَمْ يَذْكُرُوا زِنَاهَا الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ جَلْدًا ‏,‏ بَلْ ذَكَرُوا الْبَيْعَ فَقَطْ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَيْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏,‏ ثُمَّ تُبَاعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ مَعَ الْجَلْدِ

وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَوَجَبَ أَنْ يُلْغَى الشَّكُّ وَيَسْتَقِرَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ مَعَ الْجَلْدِ وَالطُّرُقُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ‏,‏ وَكُلُّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‏}‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْعِ فِي الثَّالِثَةِ نَدْبٌ

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ فِي الرَّابِعَةِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ هَذَا ‏,‏ لأََنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ فَرْضًا لَمَا أَبَاحَ حَبْسَهَا إلَى الرَّابِعَةِ

وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي الرَّابِعَةِ فَفَرْضٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ ‏,‏ لأََنَّ أَوَامِرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ‏}‏ الآيَةَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى بَيْعِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ بِمَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْعَطَاءُ فِيهَا ‏,‏ وَلاَ يَتَأَتَّى بِهَا طَلَبُ زِيَادَةٍ ‏,‏ وَلاَ سَوْقٍ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ ‏,‏ أَوْ ضَفِيرٍ مِنْ شَعْرٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إِلاَّ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ زَنَتْ فِي خِلاَلِ تَعْرِيضِهَا لِلْبَيْعِ ‏,‏ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُعْرَضَ حَدّهَا أَيْضًا ‏,‏ لِعُمُومِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَلْدِهَا إنْ زَنَتْ

وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ السَّيِّدُ أَوْ مَاتَ ‏,‏ فَلاَ بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ ضَرُورَةً فَإِنْ كَانَتْ لِصِغَارٍ جَلَدَهَا الْوَلِيُّ أَوْ الْكَافِلُ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَاجْلِدُوهَا ‏,‏ فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ قَامَ بِهِ ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ إذَا زَنَى ‏,‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ الأَمَةَ إذَا زَنَتْ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَتْ الأَمَةُ أَوْ شَرِبَتْ الْخَمْرَ ‏,‏ فَإِنَّهَا تُحَدُّ ، وَلاَ يَلْزَمُ بَيْعُهَا ‏,‏ لأََنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ فِي زِنَاهَا فَقَطْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَوْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ إذَا تَبَيَّنَ زِنَاهَا لَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ ‏,‏ لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِبَيْعِهَا وَإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ فَهُوَ فِي عِتْقِهِ إيَّاهَا ‏,‏ أَوْ كِتَابَتِهِ لَهَا ‏,‏ أَوْ هِبَتِهِ إيَّاهَا ‏,‏ أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا ‏,‏ أَوْ إصْدَاقِهَا ‏,‏ أَوْ إجَارَتِهَا ‏,‏ أَوْ تَسْلِيمِهَا فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ غَيْرِ الْبَيْعِ مِمَّا شَاءَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ ‏:‏ مُخَالِفٌ لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ عليه السلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ

وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهَا فَمَاتَ ‏,‏ أَوْ أَوْصَى بِهَا ‏,‏ فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ‏,‏ وَلاَ بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ السَّيِّدُ عَلَى مَمَالِيكِهِ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ ‏,‏ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَمَالِيكِ ‏,‏ أَوْ صِحَّةِ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ ‏,‏ عَلَى نَصِّ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا ، وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَمَالِيكِ إِلاَّ أَهْلُ الْعَدَالَةِ ‏,‏ فَقَطْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

2190 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

أَيُّ الأَعْضَاءِ تُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الآيَةَ فَفَعَلْنَا ‏:‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}

وَقَالَ عليه السلام إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ

وَقَالَ عليه السلام وَعَلَى ابْنِكِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَسَنَذْكُرُ كُلَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ نَجِدْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا بِأَنْ يَخُصَّ عُضْوًا بِالضَّرْبِ دُونَ عُضْوٍ إِلاَّ حَدُّ الْقَذْفِ وَحْدَهُ ‏,‏ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُخَصَّ بِضَرْبِ الزِّنَى ‏,‏ وَالْخَمْرِ عُضْوٌ مِنْ عُضْوٍ ‏,‏ إذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ الْوَجْهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَالْمَذَاكِرِ ‏,‏ وَالْمَقَاتِلِ أَمَّا الْوَجْهُ فَلِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ‏,‏ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ

وَأَمَّا الْمَقَاتِلُ ‏:‏ فَضَرْبُهَا غَرَرٌ ‏,‏ كَالْقَلْبِ ‏,‏ وَالْأُنْثَيَيْنِ ‏,‏ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ ، وَلاَ التَّعْرِيضُ بِهِ ‏,‏ لِمَا نَخَافُ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

2191 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

كَيْف يُضْرَبُ الْحُدُودَ أَقَائِمًا أَمْ قَاعِدًا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ الآيَةَ أَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَهُوَ قَائِمٌ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا ناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الْفَرَبْرِيُّ أَنَا الْبُخَارِيُّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزِّنَى ‏,‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ وَذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي جَلْدِهِ حَدَّ الْقَذْفِ الَّذِي يَقُولُ فِي ذَلِكَ ‏:‏ لَعَمْرُك إنِّي يَوْمَ أُضْرَبُ قَائِمًا ثَمَانِينَ سَوْطًا ‏,‏ إنَّنِي لَصَبُورٌ ثُمَّ أَتَوْا بِأَطْرَفَ مَا يَكُونُ مِنْ التَّخْلِيطِ فَقَالُوا ‏:‏ إنَّ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْجَالِدِ فِي الْحَدِّ ‏"‏ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ ذِي عُضْوٍ حَقَّهُ ‏"‏ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجْلُودَ كَانَ قَائِمًا ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ فَدَلَّ حَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ قَائِمًا ‏,‏ وَإِنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَكُلُّ هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ ‏,‏ وَقَالُوا ‏:‏ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَامَ حَدُّ الزِّنَى عَلَى يَهُودِيٍّ ، وَلاَ يَهُودِيَّةٍ ‏,‏ وَحَمَلُوا فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَقْدَمُوا عَلَى إطْلاَقِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ ‏,‏ إمَّا أَنَّهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى

وَأَمَّا أَنَّهُ عَلَى إنْفَاذٍ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ ‏,‏ مِمَّا لاَ يَجُوزُ لَهُمْ إنْفَاذُهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ بِوَحْيِهِ إلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ بِحَقٍّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ ‏:‏ لاَ مَحِيدَ لَهُمْ مِنْ هَذَا فَهَذَا الَّذِي ظَنُّوا مِنْ ذَلِكَ كَذِبٌ بَحْتٌ ‏,‏ وَمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا ‏,‏ وَلاَ أَنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً ‏,‏ بَلْ قَدْ يَحْنِي عَلَيْهَا وَهُوَ رَاكِعٌ وَهُوَ الأَظْهَرُ أَوْ وَهُوَ مُنْكَبٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْجُلُوسِ ‏,‏ وَهُوَ مُمْكِنٌ جِدًّا أَيْضًا ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَحْنِيَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَائِمٌ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَمُمْتَنِعٌ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ ‏,‏ وَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا قَائِمَيْنِ ‏,‏ وَيَحْنِي عَلَيْهَا بِفَضْلِ مَا لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الطُّولِ ‏,‏ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا قَاعِدَيْنِ

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ ‏:‏ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا ‏,‏ إذْ جَلَدَهُ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِخِلاَفِ الرَّجُلِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ لاَ نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ ‏,‏ فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى حَالٍ لاَ يَتَعَدَّى مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ ‏,‏ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام

فَصَحَّ أَنَّ الْجَلْدَ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَالْقَذْفِ ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالتَّعْزِيرِ ‏:‏ يُقَامُ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ‏,‏ قِيَامًا وَقُعُودًا ‏,‏ فَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَ ‏,‏ وَإِنْ دَفَعَ بِيَدَيْهِ الضَّرْبَ عَنْ نَفْسِهِ ‏:‏ مِثْلُ أَنْ يَلْقَى الشَّيْءَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فَيَمْسِكَهُ أُمْسِكَتْ يَدَاهُ

2192 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

صِفَةُ الضَّرْبِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يُسَالَ الدَّمُ فِي جَلْدِ الْحُدُودِ ‏,‏ وَالتَّعْزِيرِ وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ لاَ تَجِدُ ‏,‏ فَاجْلِدْهَا ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي الضَّرْبِ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَالْقَذْفِ ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالتَّعْزِيرِ ‏:‏ أَنْ لاَ يُكْسَرَ لَهُ عَظْمٌ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُشَقَّ لَهُ جِلْدٌ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُسَالَ الدَّمُ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَعْفَنَ لَهُ اللَّحْمُ ‏,‏ لَكِنْ بِوَجَعٍ سَالِمٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ فَمَنْ تَعَدَّى فَشَقَّ فِي ذَلِكَ الضَّرْبِ جِلْدًا ‏,‏ أَوْ أَسَالَ دَمًا ‏,‏ أَوْ عَفَّنَ لَحْمًا ‏,‏ أَوْ كَسَرَ لَهُ عَظْمًا ‏,‏ فَعَلَى مُتَوَلِّي ذَلِكَ الْقَوَدُ ‏,‏ وَعَلَى الآمِرِ أَيْضًا الْقَوَدُ إنْ أَمَرَ بِذَلِكَ

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏}‏ فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ لِضَرْبِ الْحُدُودِ قَدْرًا لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَقَدْرًا لاَ يَنْحَطُّ عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ فَطَلَبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَدْنَى أَقْدَارِهِ أَنْ يُؤْلِمَ ‏,‏ فَمَا نَقَصَ عَنْ الأَلَمِ فَلَيْسَ مِنْ أَقْدَارِهِ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ وَكَانَ أَعْلَى أَقْدَارِهِ نِهَايَةُ الأَلَمِ فِي الزِّنَى مَعَ السَّلاَمَةِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ ثُمَّ الْحَطِيطَةُ مِنْ الأَلَمِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا

فأما الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَحَرُمَتْ إسَالَةُ الدَّمِ نَصًّا إذْ هَرْقُ الدَّمِ حَرَامٌ ‏,‏ إِلاَّ مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٌ ، وَلاَ نَصَّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ إسَالَةِ الدَّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ نَعَمْ ‏,‏ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ

وَأَمَّا تَعَفُّنُ اللَّحْمِ ‏:‏ فَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَشَرَةِ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ مِنْهَا إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَإِنَّمَا صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا لِلأَلَمِ فَقَطْ ‏,‏

وَأَمَّا كَسْرُ الْعِظَامِ ‏,‏ فَلاَ يَقُولُ بِإِبَاحَتِهِ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بِلاَ شَكٍّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ سَأَلْنَاهُ أَلِشِدَّةِ الضَّرْبِ فِي ذَلِكَ حَدٌّ أَمْ لاَ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لاَ ‏,‏ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ ‏,‏ وَخَالَفُوا الْإِجْمَاعَ ‏,‏ وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا أَنْ يُجْلَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِسَوْطٍ مَمْلُوءٍ حَدِيدًا أَوْ رَصَاصًا يُقْتَلُ مَنْ ضَرَبَهُ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ

وَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ لِذَلِكَ حَدًّا وَقَدْرًا نَقِفُ عِنْدَهُ فَلاَ يَحِلُّ تَجَاوُزُهُ ‏:‏ سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ حَدُّوا فِيهِ غَيْرَ مَا حَدَدْنَا كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِلاَ

برهان

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا جُعِلَتْ لِلرَّدْعِ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ كَلًّا ‏,‏ مَا ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ ‏,‏ إنَّمَا رَدْعُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْوَعِيدِ فِي الآخِرَةِ فَقَطْ ‏,‏

وَأَمَّا بِالْحُدُودِ فَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا شَاءَ ‏,‏ وَلَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لِلرَّدْعِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ لِلرَّدْعِ كَمَا تَدَّعُونَ لَكَانَ أَلْفُ سَوْطٍ أَرْدَعَ مِنْ مِائَةٍ وَمِنْ ثَمَانِينَ ‏,‏ وَمِنْ أَرْبَعِينَ ‏,‏ وَمِنْ خَمْسِينَ ‏,‏ وَلَكَانَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَرْدَعَ مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ وَلَكُنَّا نَقُولُ ‏:‏ هِيَ نَكَالٌ وَعُقُوبَةٌ ‏,‏ وَعَذَابٌ ‏,‏ وَجَزَاءٌ ‏,‏ وَخِزْيٌ ‏,‏ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُحَارَبَةِ ‏{‏إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ‏}‏ الآيَةَ

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقَاذِفِ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ الآيَةَ

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ‏}‏ الآيَةَ

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي‏}‏ الآيَةَ وَإِنَّمَا التَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ لاَ إلَى النَّاسِ فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا كَمَا شَاءَ حَيْثُ شَاءَ ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَيْثُ لَمْ يَشَأْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَصَحَّ مِقْدَارُ الضَّرْبِ الَّذِي لاَ يَتَجَاوَزُ ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَهُوَ عَاصٍ بِذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ تَنُوبُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِ ‏,‏ فَإِذْ هُوَ مُتَعَدٍّ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ‏}‏ الآيَةَ فَضَرْبُ التَّعَدِّي لاَ يَتَبَعَّضُ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَإِذْ لاَ يَتَبَعَّضُ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يُجْزِيَ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ ‏,‏ ثُمَّ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏